وكذلك الذين يتحاكمون إلى القوانين الوضعية، ويطبقونها، ويدرسونها ويُدرِّسُونَها، ويعملون بها، فلو كان أحدهم مصلياً مزكياً ما نفعه هذا الشيء؛ لأن المسألة ليست مجرد شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون شاهداً: أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو متبع في حياته لـ
نابليون وغيره أصحاب القوانين الوضعية؟! فمعنى (أشهد) أي: ألتزم وأتعهد بأن أكون منقاداً مذعناً بمقتضى هذا القول وهو: أن الوحدانية لله عز وجل، والعبادة خالصة له، وأن الاتباع والتحكيم يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا انتفى هذا فالشهادة مجرد لفظ لا قيمة له، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء؛ لكنهم بعضهم عند التطبيق قد لا يطبق ذلك، فكتب الفقه جميعاً في أي مذهب: حنفياً كان، أو شافعياً، أو حنبلياً، أو مالكياً، أو ظاهرياً تجد فيها: باباً أو كتاباً بعنوان: كتاب المرتد، فبعد أن تذكر العبادات، والمعاملات؛ يأتون بكتاب المرتد، ثم يبينوا أن المرتد: هو من فعل كذا، أو ترك كذا، أو قال كذا، إذاً لو كان كل من قال: لا إله إلا الله لا يكفر فلمن يعقد باب المرتد؟! إنه يعقد لمن كفر بعد إيمانه، وكفر بعد ثبوت الإسلام له؛ لأنه إن لم يثبت له الإسلام أصلاً فهو ما زال كافراً أصلياً، والفرق كبير بين الكافر الأصلي وبين المرتد.إذاً فلا قيمة لهذه الكتب على هذا الرأي، مع أن العلماء والفقهاء في جميع المذاهب يقرون بأن الرجل قد يدخل في الإسلام ويخرج منه، أو قد يكون من المنتسبين إلى الإسلام لكنه يخرج منه، ويرتد عنه، والردة تكون بالإشراك بالله تعالى، وهو أكبر وأعظم الذنوب، وبالجحود أيضاً، ويذكر أنواع الجحود، وبالتحاكم، وهو نوع من الشرك وغير ذلك مما هو ثابت في الكتاب والسنة.فمن هذا يتضح: أن مذهب
الكرامية باطل، ومذهب
الكرامية هو: أن المؤمن هو من قال: لا إله إلا الله؛ مع أنه قد يكون في الواقع في الباطن منافقاً في الدرك الأسفل من النار؛ لكنه مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه جاء بالنطق، فيعتبرونه مؤمناً في إجراء الأحكام الدنيوية؛ قالوا: لأننا رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هذا من الناس.